كرامتي فوق كل شيء Admin
عدد المساهمات : 561 تاريخ التسجيل : 24/08/2013 العمر : 32
| موضوع: الحب الاول ... وتاثيراته النفسية الجمعة سبتمبر 06, 2013 12:58 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
قديما قال أحد الشعراء :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الحي يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل
وهذا الشاعر لم يدرك كم كان دقيقا في تصوير مشاعر الانسان الاعتيادية والتي تجعله يرتبط دائما من الناحية الشعورية بأشياء كان لها الوقع الأول في نفسه , أو بمعنى اخر الاشتياق والحنين لأول حالة مفاجئة من المشاعر أو العواطف التي حدثت له تجاه شيء ما , سواء كانت هذه المشاعر تجاه جماد ( بيت , سيارة , ... الخ ) أو كانت تجاه أشخاص ( الحب الأول , الزوجة الأولى , العمل الأول ... الخ )
ولكن هل تتساوى هذه المسألة عند كلا من الرجل والمرأة
الواقع أن الاجابة هي " لا "
فالمرأة في هذه الناحية أكثر تأثرا وتعلقا من الرجل وحين نطلق أمرا كهذا على إجماله فنحن نعني طبعا الاغلبية , إذ لا بد ان هناك أعداد من الرجال يكون هذا الامر مؤثرا لديهم لكنهم عادة نسبة قليلة ولذلك في كل الكلام عادة يؤخذ القياس على الأغلبية ونفس الشيء مع النساء ...
المرأة بطبيعتها كائن عاطفي جدا لا ينسى بسهولة ما يتعرض له من تأثيرات وتيارات عاطفية خصوصا حين تكون للمرة الأولى ... فمثلا المرأة لا يمكن أن تنسى أبدا الرجل الذي يوقظ في أعماقها مشاعر الأنوثة ويشعرها بكونها إمرأة مرغوبة يمكن ان تحب وتحب ( بضم التاء ) , حتى لو لم يشعر ذلك الرجل نفسه بهذا الأمر , المسألة مختلفة بالنسبة للرجل إذ أنه يعتبر تجاربه الأولى بمثابة نزوات وحتى ان كان لها حجمها وتأثيرها النفسي عليه فهو لا يتأثر بها كما تتأثر المرأة , الرجل لا يقدس الحب ويعظمه كما تفعل المراة , نعم هو يجل هذه المشاعر لكن ليس بذات القوة والكيفية الموجودة عند المرأة , أو كما يقال في الأمثال الغربية " الحب هو تاريخ المرأة . . وليس إلا حادثاً عابراً في حياة الرجل ....
ومن هنا يمكن ان نقول ان كثيرا من الرجال يتجاوزون مسألة " الحب الأول " هذه ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي مع شريك الحياة بينما قليل من النساء التي تنجح في فعل هذا خصوصا حين ترزق بزوج يطغى جانبه السلبي على الايجابي فهنا تعود لها كل ذكريات الحب الاول بقوة وتبدأ في عملية المقارنة والتحسر أحيانا وربما الندم ....
إما إن كان الزوج شخصا ايجابيا متميزا فإن تجربة الحب الاول لا تعد لها ذات القوة والتأثير لدى المرأة ولكن هذا لا يعني انها تختفي أو تتلاشى نهائيا لكن لا يعد لها ذلك التأثير الكاسح والخيالات المتنوعة ... وربما تتلاشى نهائيا اذا ما اثبت ذلك الزوج قدرته على البذل والعطاء واحتواء زوجته وإشباعها من كل النواحي ....
وبما ان هذه المسألة ليست بذات القوة والتأثير بالنسبة للرجال ما عدا فئة قليلة جدا منهم , وفإن المشكلة هنا تكون مع المرأة التي قد يتسبب عيشها داخل قوقعة " الحب الاول " أو عملية استرجاع ذلك الحب ولو بالخيال في حصول مشكلة كبيرة قد تمنعها من الارتباط مجددا , أو قد تدمر حياتها الزوجية إن كانت قد أرتبطت بالفعل .
وأول ناتج سلبي ينجم من عملية استرجاع الحب الأول واسقاطه على الواقع هو عملية " المقارنة " التي تجريها المرأة والتي يؤكد كل علماء النفس أنها عملية خاطئة تماما لانها بعيدة عن الاسس المنطقية التي تكفل سلامة المقارنة وصحة نتائجها
ماذا يعني هذا الكلام
يعني أن المرأة مثلا قد تمر بتجربة الحب الاول مع شخص تفترض فيه كل الصفات الرائعة ثم يحصل ان لا تعيش هذه التجربة او يكتب لها النجاح , ويمر الوقت وترتبط المرأة بطريقة رسمية بشخص اخر وتبدأ بعد فترة مشاكل الحياة الزوجية المعتادة وتعبها أو قد تظهر جوانب سلبية في الزوج نفسه سواء من حيث الشكل أو المضمون وهنا تبدأ المرأة في عملية " المقارنة " أي مقارنة وضعها الحالي بوضعها الافتراضي لو كان الزوج الحالي هو الحبيب الاول
وأبسط سبب يتفق عليه كل العلماء حين يؤكدون خطأ هذه المقارنة هو أنه في أي مقارنة عملية صحيحة يجب ان تكون الظروف والعوامل المحيطة بهذه العملية متشابهة تماما مع الظروف والعوامل المحيطة بالعملية الأخرى التي نقوم بمقارنتها مع الأولى , بمعنى أن المرأة تندفع للمقارنة وتتخيل ان وضعها كان ليكون أجمل أو أكثر رومانسية مع الحبيب الاول مقارنة بوضعها مع الزوج الحالي وتنسى ان الزوج الحالي يمر بظروف وعوامل لم يمر بها ذلك الحبيب وهذه الظروف والعوامل لو مر بها ذلك الحبيب لما تبدل الوضع بل ربما صار أسوأ فالزوج الحالي يواجه ضغوط الحياة ومتطلبات الأسرة ومسئولية الزوجة والاطفال وهم تأمين مستقبل أسرته وتطوير نفسه و...و.... وكل هذه الاعباء والضغوط تؤثر حتما على نفسيته وسلوكه وهذا التأثير يختلف من شخص لاخر ويتفاوت لكنه دائما موجود , وقد ينجم عن هذا الضغط النفسي ان يقصر قليلا في حق زوجته سواء من الناحية النفسية او المادية او العاطفية وهذا شيء غصبا عنه لكن المرأة – عادة - لا ترجع سبب هذا لما يعانيه هذا الزوج من ضغوط بل تبدأ تلقائيا كما اسلفنا في المقارنة وتتخيل ان الحبيب الاول لو كان موجودا في مكان هذا الزوج لكانت الحياة أجمل وأكثر رومانسية و أقوى عطاءا وحبا
وهذه مقارنة ظالمة بالفعل لان ذلك الحبيب جاء ورحل بدون ان يتحمل أي مسئولية حقيقية بل كانت المسألة كلها عبارة عن مشاعر سواء كانت جارفة ام كاسحة فهي تظل مرحلة عقلية قلبية بحتة لا فيها مواجهات مباشرة ولا ضغوط ولا تحديات , وقد تعترض بعض النساء وتقول أن الحبيب الاول قد يحصل معه تحديات ومواجهات كأن يصر على الزواج بمحبوبته لكن لظروف مختلفة وتعنتات يواجه بالفشل أي انه هنا بذل جهدا جسديا ونفسيا وواجه ضغوطات , وأقول ان هذا ايضا لا يعول عليه كمقياس يصلح للمقارنة مع وضع زوج موجود بالفعل في محك الحياة الزوجية العملية , ومن الإجحاف أن نقارن تلك الضغوط التي تعرض لها العاشق الاول بالضغوط التي تواجه زوج مسئول مسئولية كاملة عن حياة ومصير أسرة فيها زوجة وأبناء ...
بل بالعكس ربما لو عكست الادوار ووضع العاشق الولهان مكان الزوج المتفاني لانهار العاشق او كشف عن وجه اخر لا تصدق المرأة انه كان موجودا فيه
وهذا يذكرني بقصة جميلة للكاتب الانجليزي الشهير سومرست موم اسمها " القناع الملون " تحكي عن قصة إمرأة كان لها حبيب وسيم رومانسي ثم تزوجت بعالم قصير دميم وظلت تعيش بقلبها وروحها وجسدها مع ذلك الحبيب الوسيم وتزدري وضعها مع ذلك الزوج المشغول بمواجهة ضغوط الحياة وبعلمه وتجاربه وحين يحصل محك اختبار حقيقي وتجد الزوجة نفسها في مأزق صعب تفاجىء بهروب العاشق الحنون ولا يبقى معها الا زوجها الذي يثبت حبه الحقيقي لها و يقف معها حتى النهاية
وليست كل النساء من يفكرن بهذا الشكل , فهناك نساء يتميزن بعقل ناضج وتفكير متوازن ولذلك فحتى حين تطفو مسألة تذكر " الحب الاول " في اثناء منعطف متعب في حياتها الزوجية تسارع بطرد هذه الخواطر وتدرك أن المقارنة هنا ظالمة وأن هذا الزوج " الحالي " يتحمل من الاعباء والضغوط مالم يتحمله ذلك الحبيب " الافتراضي " بالتالي لا يمكن ان نستبق الاحداث ونتصور نتائج مسبقة ليست مستندة لاساس من المنطق السليم العملي ....فمن يدري لو انعكست الادوار وواجه ذلك الحبيب ما يواجهه الزوج كيف ستكون تصرفاته وردود أفعاله الحب سهل ويمكن لاي شخص ان يحب لكن ليس كل انسان قادر ولديه الشجاعة كي يتحمل مسئولية حقيقية ...
الزوج هو شخص يشاركها الحياة بالفعل بحلوها ومرها , بمتاعبها وضغوطاتها التي لا ترحم , بينما كل ما شاركه ذلك الحبيب معها هي امور خيالية بحتة لم تتعرض لمحك الاختبار والتجريب الحقيقي , إن ذلك الحبيب طوال قصة الحب تلك لم يظهر إلا ملكاته وقدراته التخيلية والنفسية بينما ذلك الزوج منذ اللحظة الاولى التي قرر فيها الزواج والارتباط يظهر قدراته وملكاته الحقيقية والواقعية في تحمل مسئولية وعبء لا هزال أو مزاح فيهم ... ذلك عاش معها في عالم الخيال وهذا يعيش معها بالفعل في عالم الواقع .. وما أبعد الفرق بين الخيال والواقع
إذن مسألة " الحب الاول " هذه هي مجرد وهم تبحث عنه المرأة لتهرب من واقعها الذي قد لا يعجبها وبدلا من ان تحاول ان تتكيف معه تبحث عن حلول أخرى في عوالم خيالية لا تمت للواقع بصلة وتحصر نفسها في قوقعة الحب الاول وقد تتسبب في تدمير حياتها بالفعل وتخريب بيتها في سبيل خيال زائف او قناعة غير عادلة تفرضها المشاعر والعواطف قبل العقل والمنطق
وإنه من المؤسف ان تجد كثير من النساء تدمرت حياتهن سواء قبل أن تبدأ او بعد أن بدأت بالفعل بسبب فكرة الحب الاول الذي ظل مسيطرا على تفكيرها وكيانها , وظل يمدها بتصورات زائفة لحياة مثالية ناعمة ليس لها أساس منطقي أو عملي ....
بل المثير أكثر ان بعض النساء تقوم بطرح هذا الامر على الزوج من باب المصارحة ومشاركة الاسرار وتنسى كل إمرأة انه لا يوجد رجل في العالم لا يتمنى ان يكون هو الحب الاول والاخير في حياة إمراته ... وفي الواقع إن المرأة التي تخفي هذا عن زوجها ثم تستمر في العيش فيه ولو من باب الخيال فهي تمارس الخيانة على نطاق معنوي , فالخيانة ليست الخيانة الجسدية فقط بل هناك أنواع عدة ...
" الحب الأول " مسألة يجب ان تظل محصورة ضمن حدودها الحقيقية وان لا تتعدى هذه الحدود لتصبح مشكلة ومأساة تفرز تأثيرات سلبية على حياتنا فيما بعد ... الانسان مخلوق عاطفي يتأثر بتجاربه الانسانية القديمة والحديثة .. هذا صحيح .. لكن عليه قبل كل شيء أن يزن هذه التجارب بعقله وألا يجعل الامر مجرد انسياق وتحكم من قبل المشاعر فقط وأن يدرك أين تكمن راحته ومصلحته الحقيقية ...
" الحب الأول " مجرد وهم المرأة الذكية فقط من يستطيع ان يتحرر منه ...
| |
|